دخل ياسر الكافيتريا بعد أن شعر بأنه قد استعاد توازنه ..لكنه لم ينجح في استعادة حالة النشوة السابقة..بنفس قوتها ..
تفحص الوجوه باهتمام .. معظم الطاولات يجلس عليها إما مجموعات من الشباب أو الفتيات أو كلاهما معاً..أو اثنان منفردان .. و لفت نظره أن معظم الطاولات مشغولة ..بصورة ملفتة للانتباه .. و علل السبب بأنها نهاية الأسبوع .. و من الطبيعي أن يخرج كل من لا تسمح له ظروفه بالتنزه خلال الأسبوع ..
وقعت عيناه أخيراً على فتاة رقيقة تجلس على أحد الطاولات وحدها ..و تنظر في ساعتها على نحو يوضح بأنها تنتظر شخصاً ما .. ارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة ..و هم بأن يتجه إليها ..لكنه قبل أن يفعل ..وجد شاباً آخر .. يقترب من طاولتها ..ويسلم عليها بحرارة ..و يجلس أمامها بشيء من الاعتياد ..وينادي الجارسون بتلقائية ..فأدرك أنها بالتأكيد..ليست يارا ..
فزفر زفرة خفيفة ..و عاد يبحث عن طاولة فارغة .. و أوشك بأن يطلب مساعدة أي من العاملين بالمكان ..لكن طاولة قد فرغت فجأة حيث غادرها الشخصان اللذان كانا يجلسان عليها ..
جذب ياسر أحد المقاعد التي أمام الطاولة ..و جلس ببطء واضعاً شنطة الهدية التي معه في مكان ظاهر وهو يتفحص المكان من حوله باهتمام شديد..
صوب ياسر بصره تلقاء مداخل الكافيتريا المفتوحة على المول .. و خصوصاً على كل فتاه تدخل من الباب ..لكن في كل مرة لم يشعر أن .. يارا .. كانت واحدة منهن … لاسيما و أن يارا ستحمل تلك العلامة المميزة جداً حسب اتفاقهما
ثم تنبه فجأة بحكم تصويبه المحكم لبصره إلى المداخل على ذلك الشاب النبيل الذي أنقذ حياته للتو .. يدخل من أحد المداخل ..بلياقة شديدة ..و يتلفت حوله ..باحثاً عن طاولة فارغة .. ابتسم ياسر في سعادة ..وهم بأن يناديه ليجلس معه .. لكنه تذكر.. يارا ..التي قد تصل في أي لحظة..
فصمت في إحراج شديد ..وهو يراقبه من بعيد .. فوجده يتحدث إلى أحد العاملين بالمكان و أدرك أنه لابد أن يطلب منه إحضار طاوله له ..لكن إشارات العامل وشت بأنه لا توجد طاولات إضافية .. وفهم ياسر أن الشاب عليه الانتظار حتى تفرغ إحداها..فلم يستطع أن يمنع نفسه من المناداة عليه..
ياسر: يا..يا.. يا كابتن ..
التفت الشاب ..فوقع نظره على ياسر فابتسم له بلباقة ..و اقترب منه .. قائلاً : السلام عليكم
ياسر بابتسامة : وعليكم السلام .. تفضل اقعد معي لحد ما تفضى تربيزه..
الشاب بنوع من الخجل و الذوق: ايوه بس أنت عندك ميعاد مع ناس ..و أنا يعني ..
ياسر بود : ما أنت حتقعد لحد ما تربيزه تفضى .. بدل ما تفضل واقف .. و بعدين هم يمكن يتأخروا ..أنا عارف كده من قبل أن آتي تفضل بس..
رفع الشاب حاجبيه مسلماً ..و ممتناً معاً ..و جذب الكرسي الآخر و جلس عليه ..
ياسر بذوق وود : أطلب لك إيه ؟؟
ابتسم الشاب قائلا : الله !! هو أنت عايز ترد العصير و خلاص .. لما أقوم ..أبقى أطلب ..
ياسر بابتسامة : ليه هو حد قال لك عليّ بخيل ؟؟
الشاب : يا سيدي العفو..طيب استنى شوية ..ده أحنا حتى لسه شاربين ..يعني..
ضحك ياسر بلطف.. ثم أردف بود ..واهتمام : صحيح ..أنا ما سألتكش عن اسمك كل ده ؟؟ ثم يردف بمرح ..مش معقول ما أبقاش عارف اسم الشخص اللي أنقذ حياتي؟؟
الشاب بابتسامه وهدوء: يا دي ..أنقذت حياتي اللي ماسكها لي.. على العموم ..اسمي عادل يا سيدي ..
ياسر بنوع من الدعابة : عاشت الاسامي يا سي عادل ..و لو أني كنت أتمنى يكون اسمك أي اسم تاني ..
عادل بمرح و ذهول : اشمعنى يعني ؟؟
ياسر : أبداً ..أصلك على اسم دكتور عندي ما بطيقوش..
ابتسم عادل باندهاش..ثم أردف بمرح : خلاص يا عم نغير الاسم علشانك ..ولا يهمك ..
يضحك ياسر بمرح ..
عادل :اسم الكريم إيه بقه ؟؟
ياسر : ياسر ..
عادل : عاشت الأسامي يا عم ياسر ..
لحظات من الصمت .. عاد خلالها ياسر لتفحص الوجوه كلها بتمعن شديد .. بينما نظر إليه عادل بتركيز .. و ابتسامة خفيفة .. كأنه يخمن تقريباً سبب تلفته المستمر .. تنبه ياسر إلى نظرة عادل التي تحمل معنى ..و ابتسامته الهادئة .. فابتسم إليه بثقة ..قائلاً..
ياسر : إيه؟؟أنت مش مستني حد يا عادل ؟ولا أنت جاي تقعد وحدك ؟
رفع عادل حاجبيه بابتسامه هادئة قائلاً : لأ طبعا ..مش جاي أقعد وحدي ولا حاجه .. بس اللي أنا مستنيه ..حيتأخر شوية على ما يوصل لي.. ..ثم يردف ..بنوع من السخرية ..يعني أصلها أول مقابله ..أو تقدر تسميها بالأحرى ..أول ميعاد..
ابتسم ياسر بنوع من الذهول ..ثم رفع حاجبيه في اندهاش ..قائلاً : غريبة !!!..
..أصل أنا كمان هنا لنفس السبب
عادل بابتسامة ساخرة و مرحة مداعباً : يااه ..طيب على الله ما نطلعش مستنين نفس الشخص..
تحولت ملامح ياسر فجأة إلى الجدية ..وظل ساهما لثوان ومركزاً بصره على عادل .. بينما كان عادل ما يزال يحتفظ بابتسامته الهادئة ..و نظرته الواثقة ..
قطع الصمت صوت الجارسون مخاطباً عادل : في تربيزه فضيت يا فندم ..
أجابه عادل بابتسامة هادئة وهو ما يزال ينظر إلى ياسر بنوع الاهتمام : طيب متشكر ..لكن قبل أن يقوم من مكانه ..أمسك ياسر بيده وهي ما تزال على الطاولة ..
نظر إليه عادل باندهاش لا يخلو من نظرته الواثقة ..
ياسر ..بنوع من الهدوء: استنى .. عندك مانع ..تقعد معي ..ثم يردف: ..يعني ..أهه نسلي بعض على ..ما..
لكنه صمت ولم يكمل….
إلا أن عادل أكمل العبارة بتلقائية و بساطة..وهو يجذب الكرسي من جديد ليجلس : همم ..معك حق ..أنا كمان متوقع أني حستنى كثير .. و أكيد سأحس بملل.. ثم يستقر في الكرسي و يخاطب الجارسون بلباقة ..: متشكر قوي .. حاقوم بعد شويه ..
انصرف الجاسون مندهشاً إلى حد ما .. بينما بقى ياسر مركزاً بصره في فضول شديد إلى عيني عادل ..
قطع عليه شروده صوت عادل :إيه ؟؟مالك ؟ في حاجة ؟
خفض ياسر بصره بنوع من الإحراج ..ثم رفعه ..بهدوء و ثقة قائلا : أنت ..في كلية إيه ؟؟
عادل بود ..و ابتسامة : أنا في معهد السينما ..
ياسر بابتسامة : فنان يعني ..؟؟
عادل بمرح : مش للدرجة دي..
ياسر : بس تعرف أن شكلك ما بيقولش أنك في معهد السينما أبداً ..
عادل بتساؤل:أماّل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ياسر : شكلك ..في تربية رياضية ..
ضحك عادل بود .. : طيب و أنت ؟
ياسر : هندسة..
عادل :مش باين عليك برضه
ياسر بتساؤل : أمال؟؟
عادل: شكلك في معهد السينما ..
ضحك كلاهما من القلب..
عادل بنوع من الود ..و اللباقة معا : بيتهيأ لي نشرب حاجة ..بقه .. ثم رفع يده منادياً للجارسون ..
فوقف أمامهما بعدها بثوان ..عادل : عصير ليمون من فضلك ..
ياسر : قهوة مظبوطة..
انصرف الجارسون ..وهو يومئ برأسه بسرعة التنفيذ ..
ياسر بتعجب : عصير تاني ..!!
عادل: ما بشرب غير عصير .. إنما أنت باين عليك من هواة القهوة ولا إيه ؟
ياسر : لأ ..أنا فعلاً مبحبهاش ..بس خلاص أدمنتها .. ما أقدرش أبطلها ..
عادل بأسلوبه الواثق ..وبنوع من استمراية الحوار : حاجات كثير الواحد ما بيحبهاش ..لكن بيضطر .. يبقي عليها ..لمجرد أنه أدمنها ..
صمت ياسر في نوع من التفكر ..ثم أردف بمرح ساخر : وعلشان كده ما بتشربش إلا عصير .؟؟
عادل بنصف ابتسامة مداعبة : همم.. كل حياتي عصير .. مش قهوة ..
ثم يتابع بشيء من الجدية وهو مازال محتفظاً بابتسامته : ما باسمحش لأي حاجة..أو أي حد .. أياً كان .. يسيطر على دماغي .. علشان هي بتاعتي أنا .. بس ..
صمت ياسر في نوع من التفكر ..ثم نظر إليه بشيء من الدهاء متسائلاً : بس الكلام ده مظبوط مع العقل .. إنما القلب .. بيتهيأ لي أنه يخضع لقوانين تانية ..
عادل بابتسامة : العقل و القلب .. زي ..الحاكم و المحكوم …بالظبط ..
ياسر بشيء من المقاطعة في شبه إصرار:لأ .. القلب هو بس اللي بيحس ..إنما.. العقل لأ ..
عادل بهدوء شديد: بيتهيأ لك يا عزيزي.. الإحساس في حد ذاته ..أمر يصدر من المخ ..و يصل عبر الأعصاب .. فتحس .. ولو حصل عطل في مصدر الإشارة عمرك ما حتحس..
صمت ياسر في شيء من التفكر ..و الفضول الشديد معاً ..
حتى أفاق على صوت الجارسون و هو يضع المشروبات على الطاولة .. و ينصرف .. التقط عادل كوب العصير المثلج .. و هم بأن يشربه .. لكنه رفع رأسه إلى ياسر قائلاً بلهجة مميزة : اشرب القهوة .. قبل ما تبرد ..و تبقى لا طعم .. … .. ولا فائدة
ثم شرع في ارتشاف العصير بابتسامه ..
بينما استند ياسر إلى الوراء في نظره تفكر عميقة
... لسه شويه انتظروا الحلقه الجديدة ..
هناك تعليق واحد:
اية دى بقى دى بقى دى بقى دة
القصة كل يوم بتطول وكدة غلط على السادة المشاهدين
إرسال تعليق