استمع إليه ياسر و هو مازال في شروده .. لكنه فجأا رفع رأسه بنظرة من الذهول الشديدة ..إلى عادل ..ظل صامتاً بذهول شديد لدقائق قائلاً : أنت ؟؟
أنت ..مين ؟
عادل بهدوء شديد باسماً بشيء من السخرية المهذبة ..ونظرة ثاقبة : أنا .. … أنا الوهم ..
ظل ياسر صامتاً كمن ..ألقي عليه .. ماء بارد ..أو صعق بالكهرباء ..وهو يحملق بذهول في وجه عادل ..
ثم فرك بيده مقدمه رأسه ببطء.. والتفت إلى عادل بغضب شديد .. و نهض من مكانه بانفعال .. و دون وعي ..أمسك بمجامع ثياب عادل .. وهو يهزه بعصبية و غضب : يعني إيه ؟؟ أنت عايز تفهمني ..أنك ..أنك .. أنت مجنون .. مجنون ..
ظل عادل ثابتاً ..ومحتفظاً بنظرة الهدوء القاتل في عينيه .. وممتصاً في صبر لانفعال ياسر .. حتى قطع عليه انفعاله ..رجل الأمن بالمكان ..يخاطبه بجدية : في حاجة يا كابتن ؟؟؟
ظل ياسر صامتاً كأنه لم يستمع إلى حديث الرجل .. بينما نظر عادل إلى الرجل ..ثم عاد و نظر إلى ياسر ..بنظرة مفهومة لياسر ..
أرسله ياسر ..و قد جاهد للتخلص من بعض انفعاله …. ثم أسرع بالخروج خارج المول منتظراً عادل خارجه ليستجلي منه حقيقة الموقف .. غير أن قوة الصدمة قد أنسته أن يأخذ الهدية معه أثناء خروجه ..
في الشارع الطويل الذي يقع فيه المول ..سار كل من ياسر وعادل ..لبعض دقائق دون كلام .. التفت بعدها ياسر إلى عادل .. و خاطبه بلهجة غاضبة
ياسر : بيتهيأ لي .. إني ..المفروض ..أفهم ..
نظر إليه عادل .. نظرة طويلة ..ثم عاد فنظر للأرض ..والتقط نفساً عميقاً .. تحدث بعدها .. بهدوء.. و شيء من الود ..ونبرة صدق شديدة قائلاً : من سنة تقريباً .. كنت غير دلوقتي خالص .. كان صعب عليّ قوي أني أقاوم مشاعري تجاه أي بنت .. حبيت كثير قوي .. و كلها كانت علاقات للتسلية مش أكثر .. و عادة كانت النهاية بتيجي مني أنا لما أحس أني توهمت في إحساسي تجاه البنت اللي تصورت أني حبيتها .. أو بالأحرى صاحبتها شوية .. ثم زفر بشيء من الأسى متابعاً : وطبعاً من ناحيتي أنا كانت الخسائر قليلة قوي .. علشان كده ما كنتش بفكر كثير قبل ما أبدأ أو أنهي أي علاقة عاطفية ..و طبعاً عمري ما سألت نفسي ده صح و لا لأ ؟؟
لحد ما تعرفت على بنت جديدة .. شدتني لها قوي .. لأني ببساطة حسيت أنها حاجة تانية خالص غير كل البنات اللي عرفتهم قبل كده .. كانت زي الجوهرا .. زي النجمة العالية البعيدة عن الأرض .. وبرغم كل ده ..وبسبب الفراغ العاطفي الي كانت عايشاه بسبب بعدها النفسي عن أسرتها ثم تابع بشيء من الحنق الشديد المكتوم : اللي عمرهم ما فتحوا لها قلوبهم أو سمعوا لها .. قدرت أخليها تميل لي ..وتقتنع أنها تقابلني علشان نتعرف .. و حددنا الزمان و المكان ..ثم ابتسم بشيء من السخرية ..و تابع : و العلامة اللي حنعرف بعض بها .. ثم تنهد بعمق و تابع : لكن للأسف يارا ..ما كانتيش غير ..عبير ..أختي..
صمت ياسر ..و في عينيه نظره من الإشفاق.. بينما تابع عادل كلامه بمرارة ..
عادل : و برغم أنها كانت صدمة شديدة عليّ أن أكتشف أن البنت اللي حسيت أنها زي الجوهرة بس قدرت أخليها تخون أهلها علشاني و تكلمني من وراهم و تفتح لي قلبها و توافق تقابلني كمان .. تبقى أختي اللي تصورت أني محافظ عليها كويس و أنها أعلى من أن أي شاب في الدنيا أياً كان شأنه يوصل لها إلا بالخطوبة و الجواز الرسميين و قدامنا .. حسيت أنني المفروض أعيد كل حساباتي من جديد .. و أفهم الأمور زي ما المفروض أننا نفهمها .. بعيداً عن عواطف الشباب ..المتهيجة ..واندفاعهم القوي وراء مشاعرهم ..وعدم مبالاتهم اعتماداً على أنهم دوماً الطرف الأقوى و الأقل خسائر في العلاقات اللي زي كده ..وتصورهم الساذج الغريب أن تصرفاتهم غير الأمينة مع البنات ما لها أي علاقة أو تأثير بسلوك أخواتهم ..
و لاقيتني أستنتج أن اللي حصل ده مش خسارة بكل المقاييس .. ثم أردف بسخرية : لأنه ببساطة لو ما كنتش أنا ..كان حيبقى غيري ..و غيري ده ما كانش حيسبها في حالها أبداً..ولاقتني بآخذ الأمور بسياسة تانية خالص ..و بسامحها على الغلطة دي رغم أن ده ما بيعفيهاش من التهاون في الحفاظ على نفسها .. و حمدت ربنا أنها جت على قد كده ..و قررت أني أكون أول إنسان ممكن أي أخت من أخواتي تفكر أنها تفتح له قلبها ..و تستأمنه على أي سر أياً كان ..
كان ياسر منصتاً إليه بتفكر عميق و اهتمام شديد .. لكنه تحدث بهدوء بعدها : أيوه …بس كل اللي حكيته ده .. ما بيقدمليش سبب مقنع للي عملته معايا ..و أنت ما تعرفنيش خالص
ابتسم عادل بثقة ثم قال : و مين اللي قال لك أني ما أعرفكش ؟
صمت ياسر بشيء من الذهول ..بينما تابع عادل حديثه قائلاً : من أربع شهور بالضبط و قبل اللي حصل بيني و بين عبير بأيام قليلة .. تعرفت عليك صدفة على الشات بشخصيتي الحقيقة على أني ولد .. و كنا بنتكلم في موضوع الشات ده بالذات و حكيت لك على أني تعرفت على بنت و متعلق بها و بحاول أقنعها تقابلني ..و أنت قلت لي بالحرف الواحد أنك فعلاً بتعيش حالة غريبة من الفراغ العاطفي دوماً و أنك بتخرج من علاقة عاطفية على التانية ..و بيشجعك التجاوب اللي بتلاقيه من بعض البنات بسبب أنك وسيم ..و أنك بتتمنى أنك تجرب تكون علاقة عن طريق الشات مع واحدة ما تكونش تعرف شكلك على أمل أن ده يخلصك من حالة عدم الاستقرار العاطفي العنيفة اللي بتعيشها دوماً ..و حستني بشدة أني لاقيت بنت عجبتني زي ما وصفت لك و قدرت أخليها تميل لي بالسرعة دي مع أنها عمرها ما شافتني ..
لكن علاقتنا قطعت لفترة بسبب الصدمة اللي أنا مررت بها وأنت كنت دوماً بتحاول تكلمني و تسألني عملت إيه و قابلت البنت ولا لأ؟؟ و قلت لي أنك بتحاول تنفذ الفكرة اللي شرحتها لك وعايز تعرف مني المفروض تعمل إيه علشان تخلي بنت تتعلق بك من غير ما تعتمد على وسامتك خالص ..
حسيت ساعتها أنك لازم تفوق ..و أني لو سيبتك .. أكيد كنت حتدور على أي بنت زي عبير أو ياسمين .. وتخليها .. وتخليها تبقى يارا .. ففكرت أني أرد على تساؤلاتك برد عملي .. علشان أخليك تجرب بس من غير خسائر حقيقية .. موقف زي اللي حصل لي .. لأني كنت عارف منك أن لك أخت بنت و بعد ما تعرفت عليك على أنني يارا ..عرفت منك إيميل ياسمين ..
جحظت عينا ياسر بشيء من الغضب .. لكن عادل سارع بإكمال حديثه قائلاً : و وأعطيته لعبير أختي .. ثم تابع باسماً بهدوء : اللي جاءت قابلت أختك ياسمين النهارده .. و لما هددت أنك تقطع علاقتك بيارا و تدور على غيرها أنا و عبير قررنا أنها اللحظة الحاسمة اللي لازم تفوق فيها .. فحددت مع ياسمين المقابلة دي ..
صمت ياسر محاولاً إدارك الأمر ..ثم تحدث بشيء من القلق : وياسمين؟؟؟؟؟؟
قاطع عادل أفكاره : اطمئن …ياسمين ما تعرفش أي حاجة ..عن أي حاجة .. ما تعرفش غير أن عبير صاحبتها اللي تعرفت عليها من أربع شهور و تعلقت بها ..و أهي قابلتها النهارده ..
أنا عارف أن الدرس كان قاسياً عليك قوي .. بس صدقني .. هو أرحم بكثير .. من الدرس اللي أنا تعلمته ..
أنا كنت فاهم من كلامي معك طول الوقت ..أنك شاب كويس .. و من معدن..أصيل ..وأنك خسارة في الضياع ..
و خسارة في أنك تعيش وهم .. يسميه الشباب ..بجهل تام بمعاني الكلمة السامية .. حب ..
الحب يا ياسر ..عمره ما بيجي بالسرقة .. الحب عاطفة عظيمة .. سامية..قائمة على التضحية .. و الحرص على الحبيبة .. وحمايتها حتى من النفس .. مش على الخيانة ..و السرقة .. وبالمنطق ده..بس يبقى الحب حلال .. و للجميع .. مش لنا إحنا بس ..و لأخواتنا لأ ..
أنا عارف أنك تكرهني .. بس تأكد .. إنك لو بصيت لي على أني .. الشخص اللي أنقذ ..ياسمين .. أكيد مش حتكرهني ..
و قبل ما أسيبك عايز أقول لك حاجة واحدة .. خليك فاكرها .. لو في يوم من الأيام .. اشتقت لأنك تلعب لعبة يارا تاني .. ابق أفتكر ياسمين ..و أوعى ..أوعى عقلك يصور لك .. أنك .. حتعمل بنات الناس زي يارا ..و ربنا حسيب لك ياسمين ..زي ما هي ..ياسمين .. مش يارا ..
مع السلامة ..
و استدار عادل ..تاركاً ياسر في شرود شديد .. لكنه..سرعان ما ناداه ياسر قائلاً..: عادل …
التفت إليه عادل من على بعد بضع خطوات ..بنظره باسمة ..
فنظر إليه ياسر بصمت ساهماً .. ثم ابتلع ريقه ..بهدوء قائلاً : متشكر إنك أنقذت حياتي .. ثم تابع في لهجة تبوح بامتنان: و متشكر أكثر ..أنك أنقذت ياسمين ..
ضحك عادل بشيء من المرح الهادئ كأنه تذكر أمراً ما .. فعاد أدراجه ببطء و هو يخرج جهاز موبايله من جيبه و يرن على رقم ما .. لم يلبث ثوان بعدها إلا و اقتربت سيارة من أول الشارع ..لكن ما إن توقفت أمام كل من عادل و ياسر حتى تبين ياسر أنها نفس السيارة التي كادت أن تصدمه افتعالاً في أول اليوم والتي ظهر له عادل بعدها في صورة الشخص الذي أنقذ حياته .. بينما تحدث إليه بشيء من المرح أحد الراكبين فيها قائلاً : معلش يا كابتن بس .. حقك عند عادل ..هو اللي طلب .. عموماً إحنا برضه كنا واخذين بالنا ..
ارتسمت ملامح من الذهول الشديد الممتزج بابتسامة لطيفة على وجه ياسر وهز رأسه متعجباً بقوة ..ثم أردف مخاطباً عادل : لأ أنت في معهد السينما بجد فعلاً ..
بينما ابتسم عادل بود شديد .. و قبل أن يركب السيارة تحدث إلى ياسر بهدوء : على فكرة ..بيتهيأ لي أنك لو سيبت مروة تراجع حسابات الرسم معك .. الدكتور مش حيقطع اللوحة تاني ..
ابتسم ياسر متفهماً بود .. بينما ركب عادل السيارة مع أصدقائه .. ..لكن ياسر استوقفه بمرح : مش حتروح بعربيتك أخرج عادل رأسه من النافذة بمرح خبيث قائلاً : دي ما كنتيش عربيتي .. كانت عربية عبير .. ابقى خذ لك دورة في معهد السينما أما تخلص هندسة ..ماشي ..و انطلقت السيارة بعدها ..
فتح ياسر باب حجرته ببطء شديد ..و ابتسامة هادئة ..و ساخرة إلى حد ما تغطي وجهه.. ليجد أخاه تامر .. مازال مستيقظاً .. في انتظاره خصيصاً .. ياسر بهدوء : السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
تامر باهتمام: و عليكم السلام .. قابلتها؟؟؟
اتسعت الابتسامة الساخرة على وجه ياسر ..
نهض تامر من فراشه .. و اقترب من ياسر ..و رفع رأسه إليه بيده برفق ..و سأله بود: ياسر .. قابلتها..؟
ياسر بسخرية لاذعة : هممم..قابلتها .. ثم يضحك.. بصوت منخفض ..رغماً عنه .. يزداد قلق الأخ..فيسأله بخوف شديد : في حاجه حصلت ؟؟
فينظر إليه بلا إجابة .. فينفعل الأخ بلا شعور و يهز ياسر قائلاً : رد عليّ يا ياسر
فيقطع عليه تساؤله دخول ياسمين للغرفة .. بملابس البيت .. بعد أن شعرت أن ياسر قد عاد من نزهته .. فإذا بها تحمل الهدية التي كان من المفترض أن يقدمها ليارا ..قائلة بمرح شديد لياسر .. : ياسر أنا شفتك النهارده .. في سان استيفانو .. أنا و صاحبتي ..هي اللي شاورت لي عليك ..من غير ما تعرفك ..أصل أخوها كان قاعد معاك .. و أنا قلت لها تعالي نقعد معاهم بس هي مبتحبش تكلم ولاد خالص .. شفت جابت لي إيه .. أخوها اداها الهدية دي و هي قالت لي أنها أوصته مخصوص يشتريها علشاني و قدمتها لي عربون صداقتنا الجديدة ..
بس أنا عمري ما كنت أتصور أبدا أنك تطلع أنت و أخوها أصحاب .. أيه الصدف الغريبة دي .. اتسعت ابتسامة ساخرة مثيرة للضحك على وجه ياسر الذي كان يستمع إليها ساهماً و من قبل كان يستمع إلى تامر بنفس الشرود الغريب ..تحولت هذه الابتسامة إلى ضحكة خفيفة .. نظر بعدها إلى تامر ..بنظرة ذات معنى .. بينما كان تامر يستمع إلى عبارات الأخت ببصر شديد الجحوظ.. و في حالة من الذهول العجيب ..!!!
ثم ترك ياسر ..ودار حول نفسه بلا وعي دوره كاملة في الحجرة .. ثم التفت إلى ياسر ..و ظل محملقاً في وجهه ..لدقائق.. تلاها تحول الذهول تدريجياً إلى ابتسامة ..أخذت تتسع شيئاً فشيئاً ..حتى تحولت بالتدريج إلى ضحك صاخب .. من القلب .. من كل من ياسر و تامر .. حتى سقط تامر على الفراش من شدة الضحك بينما ألقى ياسر بنفسه على مقعد الكومبيوتر .. ليتصاعد صوت ضحكه .. أكثر و أكثر …
بينما .. ظلت الأخت ..واقفة في ذهول بريء .. تنظر إليهما .. بنوع من الشك في قواهما العقلية .. تتساءل بهدوء : أنتو بتضحكو كده ليه ؟؟
ثم انفعلت عليهما ببراءة طفلة : أنتو بتضحكو عليه .. هه..؟؟ ردو يا غلسين .. بتضحكو على إيه ؟؟.. و زاد انفعالها الطفولي من ضحكهما .. حتى قاطع الجميع صوت المؤذن لصلاة الفجر ..
فهدأ الضحك تدريجياً .. ثم نهض ياسر من مكانه .. و اقترب من ياسمين ..و احتضنها ..ثم قبل رأسها بحنان شديد..و التفت إلى تامر الذي كان يرمقه .. بسعادة..قائلاً : يا تامر .. توضأ علشان ننزل نصلي الفجر
**************
يارب تكون عجبتكم